- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
- :*بعدما باعَ أبي منزلنا القديم إنتقلنا إلى منزلاً آخر في حيٍّ شعبي
قريباً من المكان الذي يعمل فيه والدي ، وكانت حُجرتي الجديدة
على مشارف الطريق المُزدحم بعربات الخضار المؤدية
إلى السوق الذي يقربُ أمتاراً عديدة من المنزل ..
وهذا الأمرُ يسبّبُ لي في كلِ صباحٍ إزعاجاً شديد ، مما يجعلني أستيقظُ مبكراً
والتوتر مرسوماً على محياي ، ولم أجد حلاً لصياح الباعة
وأصوات الأطفال الذي يلعبون قرب الدار ...
وكنتُ فِي كلِ صباحٍ بعد الفطار ... أجلسُ على إطلالة شرفتي
وبيدي كوبٍ من الشاي ، وكان هنالك رجلين يبيعا فاكهة التفّاح
يلفتون إنتباهي فِي كل يومٍ بتناقضهم !
البائع الأول يُنادي ( تُفّاحٌ ب10 دنانير ) والآخر يُنادي ( تُفّاحٌ ب6 دنانير )
والأمر يُثير دهشتي ويجعلني أقول في نفسي على البائع الاول
( يالهُ من إنسانٍ بشع !) يُبيعُ التُفّاح ب10 دنانير
والبائع الذي يقرب منهُ يبيعُ ب6 دنانير فقط !
فعلاً لو خُليت قُلِبتْ ! ، وأدعوا الله لذلك الرجل الذي يبيع ب6 دنانير
أن يُبارك بأمواله ويرزقه ويمدهُ بالصحّة والعافية .. لانهُ إنسانٍ مُنصف ..
ولا يُضاعف السعر على المتبضعين ويبيع التفّاح بسعرٍ مناسب !
وفي يومٍ من الأيّام مرِضت والدتي وأصبَحَت لا تقوى على السير
أثر تفاقم حالتها الصحّيّة المترديّة ، فقالت :
- ياولدي اُريدُكَ أن تذهب للسوق ... وتحضر لنا بعض الخضروات
والمستلزمات المنزلية ...
- حسناً يا أمي ، كما تشائين .. أين القائمة ؟
- خذ يابُنَيّ .. هذهِ القائمة ... لكن لا تتأخّر كي أعدّ لكُم الطعام
قبل أن يأتي والدك من العمل ..
ذهبتُ مسرعاً لذلك السوق الذي لم أدخل إليهِ إطلاقاً منذُ ما سكنّا بمنزلنا الجديد
ولم أرى الباعة إلا بتأملاتي الصباحية البعيدة في كل صباح..
دخلتُ السوق وبيدي القائمة التي أعطتني اياها أمّي
وكان الضجيج يملأ المكان ...
وهمّي الوحيد هو أن أصل لذلك ( البائع البشع )
ولحسن الحظ كان يُنادي كما كان يُنادي مسبقاً ( تُفّاحٌ ب10 دنانير!! )
تقرّبتُ إليه .. وقلت لهُ : لقد أغتبتُكَ يارجُل !
ضحك ذلك البائع وقال : لماذا ؟ هل انا مخطئٌ بحقّكَ ؟؟!
هل أنا أفعل ما لايُرضي الله ؟؟!
فقلتُ له بعصبيةٍ : لا .. لكنّكَ مخطئ بحق هؤلاء الناس
الذين يشترون منكَ الفاكهة !!
فأنتَ تُبيعُ التُفّاح ب10 دنانير > وهذا الرجل يَبيعُ ب6 دنانير فقط !!
أين الإنصاف يارجُل ..؟ وهل هذا يُرضي ضميرك أمام الله ؟
إبتسم وقال : إجلس ياعزيزي فلنتكلّم ..
جلسنا وسط صياح البائعين وضجيج المتبضعين ..
واشار البائع بأصبعهُ على الرجل الذي يُبيع ب6 دنانير وقال :
إن هذا الرجل الذي يبيع التُفّاح ب6 دنانير إنّهُ ( تفّاحٌ ذابل ومخزون !)
وأنا اُبيع ب10 دنانير لأنهُ (تفّاحٌ مستورد من خارج البلاد ومن النوع الفاخر)
فهو لهُ زبائنهُ وأنا لي زبائني ، وهو يشتري بديناران ويبيع ب6 دنانير ..
وأنا أشتري ب8 دنانير ونصف وأبيع بعشرة دنانير ..
مع أجور النقل ورسوم الضريبة يذهب ذلك النصف دينار المتبقّي ..
فيصبح سعرهُ عليَّ ب9 دنانير ، وأربح في الكيلوا الواحد ديناراً واحد فقط !
هكذا أكون قد أرضيت الله وضميري ، بينما هو يربح أضعاف ما أربحهُ أنا
لكنّه يُضاعف السعر كما لا ينبغي أن يكون سعرهُ إطلاقاً !
هنا كانت الصدمة قد أخجلتني ولم أتكلّم قط ..
فإبتسم البائع قائلاً : هل ذهبت للجانب الآخر من السوق ؟؟!
قلت له : لا ... ولِمَ أذهب ؟؟
قال : أخي لديه فِي الجانب الآخر من السوق محلاً ويبيع التُفّاح ايضاً
وهو يشتري من التاجر الذي يبيع لهذا الرجل
لكنَّ أخي يبيع ( ب3 دنانير ) فقط !!
إذن يابُنيّ من هو الأكثر إنصافاً .. ؟ أنا أم هو ؟!
ومن هو البشع أنا ام هو ؟!
*
وهكذا لقد إنخدعتُ بالمظهر !
ولم أدرك حقيقة الجوهر وإحتقرتُ من كانَ طيّباً ، وإحترمتُ من كان بشعاً !
وحكمتُ على الآخرين بمجرد إنّي ( سمعتُ ) من على بُعدِ متراتٍ
ولَم ( ألتمس ) شيئاً من الحقيقة التي بين البائعيّن !
:
((( تمّت )))
:
العبرةِ من القصة هي أن لا نُخدع بما نسمعهُ عن بُعد
ولا نتسرّع بالحكم على الآخرين بعد أن نتيقّن جيداً من نيّة أفعالهم !:حُرّرت ونُشِرت بتاريخ2012/8/11
الجمعة، 7 سبتمبر 2012
قصّة قصيرة ( أنا وبائع التفّاح )
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق